Sunday, April 14, 2013

الربيع العربي (الجزء الثالث) بقلم د. أحمد الخطيب

وهنا لابد من الحديث عن سر هذه النهضة العربية.



إن الفضل في ذلك يعود للخليفة العباسي المأمون الذي عُرف عنه تشجيعه للعلماء حتى انه طلب منهم أن ينتشروا شرقاً وغرباً ويتعلموا لغة بلاد هذه الدول ويجتهدوا في ترجمة كتبهم للاستفادة من إنجازاتهم ومن ثم الرجوع إلى الوطن لإثراء الحضارة الاسلامية .



وقد حدث ذلك بالفعل فبرز علماء عُظام في الرياضيات والفلك والطب وغيرها. ولما جاء خلفه تم تدمير كل ما بناه المأمون فتشرد العلماء ، إلا انهم احتفظوا بتواصلهم مع علماء الأندلس، ومن خلال هذا التواصل والحضارة التي ترسخت في اسبانيا في حكم دام ثمانية قرون، تعرف الأوروبيون إلى ثقافتهم اليونانية والرومانية التي اندثرت ، عن طريق مسلمي الأندلس.



وهكذا يتضح دورنا المميز في الحضارة العالمية ، لذلك هو مزوّر للتاريخ كل من يقول بأن ما تشاهده من تطورات علمية هي إنجازات غربية بحته، ولعل ما سأذكر الآن من حادثة هو أبلغ دليل على ذلك. فعندما كان غورباتشوف زعيماً لروسيا تمت دعوته إلى أمريكا، وكان من الطبيعي أن يلجأ الرئيس الأمريكي إلى مترجم متمكن من اللغة الروسية. ولكن في إحدى المناسبات تعثر المترجم في جملة قالها الضيف . عندها كتب رئيس جامعة كاليفورنيا مقالاً يقول فيه، يجب أن نشجع طلابنا على تعلم لغات العالم لأن حضارة الغرب تأخرت مئتي عاماً بسبب جهلنا للغة العربية آنذاك حين اكتشف العرب علم الجبر والصفر(٠) العربي



إن الذين يهاجمون الثقافة العالمية باعتبارها غريبة عنا ليعبّرون عن جهلهم هم ولا شك يفضلون أن يعيشوا في الظلام وفي الجهالة.



أما الانجاز الثاني الذي حققه الربيع العربي، هو أنه شكَّل رداً مفحماً على الذين طالما شككوا في جدوى وجود أمة عربية واحدة من المحيط إلى الخليج وذلك إثر هزيمة 1967 فأصبح الكثيرون منهم يتبرؤون من عروبتهم، والأعلام الإقليمية رفعت عالياً وخصوصاً من أعداء الأمة والمستفيدين من الأوضاع الاقليمية.



إن التجاوب والتفاعل الشبابي العربي السريع والمتحمس لأحداث تونس ومصر أكد بأن مصيرنا مشترك بل وحتى جدار النفط الهائل لم يصمد أمام هذا التيار الأشبه بتسونامي والذي سيجرف أمامه كل مخلفات عصور الجهل.



ان سلمية هذه الانتفاضة العربية وحضاريتها وشجاعة أبنائها وتقديم الضحايا بسخاء مذهل، جعل العالم كله يسبغ صفة الربيع العربي على كل تحرك شبابي في العالم . لقد احتللنا الصدارة في هذا الانقلاب التاريخي المذهل، والذي جاوز اثره الحدود العربية ووصل إلى الصين وذلك حين انتفضت نساء لمعرفة المسؤول عن اغتيال أبنائهن عام 1989 في ساحة تيان مان ببكين، وذلك حين تجمهروا مطالبين بالإصلاحات فداستهم الدبابات جميعاً في مجزرة بشعة هزت ضمير العالم. وعندما سئلت هذه النسوة لماذا الآن ترتفع أصواتكن بهذه المطالب؟ أين كنتن هذه السنين الطويلة؟ فكان جوابهن: السبب هو الربيع العربي الذي علّمنا معنى الكرامة والشجاعة ، ولقد رفضنا عروض الحكومة بالتعويض ونحن مصرون على المطالبة بمعرفة المتورطين ومحاكمتهم.



الربيع العربي لم يصل إلى كل أهدافه بعد ولكننا نشاهد اليوم كيف انه يطيح بأعداء الاصلاح والتطور واحداً بعد الآخر، بالأمس كان رأس النظام واليوم تجار الدين السياسي وغداً آخرون حتى يتحقق النصر النهائي .



ماهي الثقافة العالمية السائدة:

1- غزوات توسعية الملوك وأمراء حرب لمكاسب شخصية.

2- حروب عنصرية لسيطرة دولة على أخرى .

3- حروب دينية .

4- حروب لفرض عقائد ونظريات سياسية ، وهذه الحروب ذهب ضحيتها ملايين القتلى والجرحى وخلفت عوائل منكوبة في معيشتها بعد أن فقدت معيلها.

5- تدمير مئات المدن والبنى التحتية والتي كلف بناءها الملايين من الدولارات .هذا ويقدر معهد استكهولم الدولي لأبحاث السلام بأن ما صُرف على التسلح عام 2009 1,531 ترليون دولار وفي عام 2011 1,546 ترليون دولار وذلك حسب ما ورد في Sipro-Milarty Soending ، كل هذا ويزيد لمصلحة المستفيدين من هذه الحروب من عسكريين وصانعين وبنوك ومؤسسات مالية ونفطية شكلت قوى مخيفة سيطرت على سياسات الدول والعالم اجمع، علماً بأن الرئيس الأمريكي ايزنهاور قد سبق وآن أشار إلى هذا الخطر الداهم في خطبة الوداع بعد انتهاء ولايته الثانية، حيث وصف حينها هؤلاء المستفيدين بشبكة الصناعة العسكرية أو Industrial Complex Military .



من المؤكد أن هذه الأموال لو أنها وُظفت لمصلحة البشرية لوفرت سبلاً للقضاء على الفقر والجهل والمرض في العالم كله وتمكنت البشرية من حل مشاكل التصحر الذي يتمدد ، والانحباس الحراري وندرة المياه الصالحة للشرب والزراعة، وتوفير الدعم المالي المطلوب في الثورة العلمية في كل مجالات البحث لتزويد البشرية بإمكانيات هائلة ستعمل حتماً على توفير حياة أفضل للبشرية جمعاء.



إن التقدم الهائل في وسائل الاتصال أيضا قد جعل العالم كله قرية واحدة وأصبح التفاعل بين المجتمعات أمراً عادياً ويومياً وصار الجميع قادر على المشاركة في أفراح واحزان إخوانه الموجودين في العالم كله .



لقد تحطمت الحدود الجغرافية والفوارق الطبقية والاجتماعية وسادت الدعوة للتسامح الديني الذي إن هو نجح وساد المجتمع الدولي ، سيكون الدواء الشافي للتطرف الديني المدمر للمجتمعات.



وهكذا نكون قد شارفنا على تحقيق الثقافة العالمية الجديدة والتي ستطيح بأسس الثقافة القديمة المدمرة ولتبني المستقبل الجديد للبشرية جمعاء.



ما العمل ؟



هذا الصراع الذي يهدف إلى تغير ثقافة الهدم والصراع المدمر الذي سيطر على عقلية البشر منذ الخليقة حتى الآن لا يمكن تغييره بين ليلة وضحاها واستبداله بثقافة المحبة والسلام والكرامة والعدالة لجميع البشر. هذا لن يتحقق إلا بعد اجيال لا يمكن الجزم بمدتها الآن ، فهي رهن ظروف التطور للمجتمعات الانسانية.



هل هذا معناه أن يبتعد الشباب عن المساهمة في العمل السياسي؟ حتما لا، فمن الواجب أن يكون الشباب فعالاً في دعم أي تحرك يهدف لتحسين الأوضاع المعيشية للناس ونشر العدالة والمساواة للجميع والمشاركة الحقيقية في الحكم كما حددها دستور 62 والذي هو بحاجة إلى تطوير للأحسن كما نصت عليه المادة 175 من الدستور وكذلك الانفتاح على الثورة العالمية والمعلوماتية التي تلف العالم كله والتي سوف تعاني منها البشرية.



كذلك العمل علي تفعيل المؤسسات المدنية التطوعية للقيام بدورها بكفاءة هي من واجبات الشباب المهمة في هذه المرحلة ، ولابد كذلك من التواصل مع الحراك الشبابي العالمي لتبادل الخبرات والاستفادة منها وتوحيد الجهود الشبابية العالمية في علمية التغيير هذه لأن أهدافها واحدة وتعاونها يضاعف قوتها وفاعليتها

كتبها الدكتور أحمد الخطيب بتاريخ 3/4/2012



No comments: