Monday, April 8, 2013

الربيع العربي - بقلم د. أحمد الخطيب (الجزء الأول)

عندما فجر مقتل البوعزيزي ملهم الثورة في تونس وقف الجميع مشدوها لتسارع الأحداث في المنطقة حتى أن قلة توقعت أن يتمكن الشعب العربي من فك قيود العبودية التي ابتلى بها عقوداً لا بل قروناً عدة .. ويعلن تحرره بهذا الشكل الذي نراه من الربيع العربي .


الاعجاب والذهول سرعان ما تبخر عندما تمكنت الأحزاب الدينية من الوصول الى السلطة بركوب هذه الموجة ، وبدأ مثقفو الصالونات وعبدة الزعامات و أسرى الأيدولوجيات المحنطة بإعلان فشل الربيع العربي لا بل اتهامه بالعمالة لأمريكي واسرائيل.

و أخذوا يطرحون تساؤلاتهم حول هوية هؤلاء الشباب و عن زعاماتهم و برنامجهم الى آخره من الأمور التي اعتادوا على سماعها عند أول بلاغ عسكري أو عقائدي يصدر بعد نجاح الانقلاب.

فنحن تعودنا على هذا النمط من التفكير حتى لقد اصبح جزءاً لا يتجزأ من ثقافاتنا ، هذه الثقافة التي تعتبر الشعب العربي قطيعاً بليداً بحاجة الى قائد ملهم يقوده أو عقيدة توفر له المن و السلوى في هذا العالم أو في الحياة الأخرى .

قلة أدركوا الأهمية التاريخية للربيع العربي ومنهم زبينو برزنسكي العالم و المسؤول الأمني في البيت الأبيض الأمريكي في عهد الرئيس كارتر عندما قال بأن هذه هي أعظم ثورة بتاريخ البشرية وسوف تعبر بالعالم العربي الى شكل آخر تماماً ، وأن هذا القطار قد انطلق وسيبلغ المحطة حتماً لكن بعد معاناة طويلة لا أستطيع أن أتنبأ مداها.

ولكن مالذي يعنيه برزنسكي بتعليقه هذا ؟؟

دعونا نرجع الى جذور الفكرة و تطورها.

البداية كانت بعد الحرب العالمية الثانية 39-1945 وفي كتيب صغير لروائي أمريكي اسمه J.DSalinger يحكي قصة جنود أمريكان سيئوا الحظ كانوا من ضمن قوات الحلفاء المحتشدة في بريطانيا لتحرير أوروبا من الاحتلال الهتلري النازي ، مجموعتهم نزلت في منطقة تمركزت فيها قوات ألمانية لم يحسبوا لها حساباً فتمت إبادتهم ولم ينج منهم غير ثلاثة جنود حزنوا كثيراً على فقدان زملائهم وبدأوا يتساءلون عن أسباب تواجدهم في هذه الحرب.

كانوا يرددون : نحن أمريكان وهذه حرب أوروبية ، ما دخلنا بها ؟ و من أعطى قادتنا الحق بإرسالنا هنا لنموت ؟ لماذا لم يؤخذ برأينا ؟ هذه حرب بين الدول الأوروبية التي لها مستعمرات نهبت خيراتها و بنت مجتمعات مرفهة و هنالك دول أخرى كألمانيا وإيطاليا و أيضاً اليابان تريد حصتها من هذه المستعمرات في افريقيا وآسيا . وذلك كله لمصلحة فئة متنفذة في دولها بينما يص القليل من هذه الخيرات الى شعوبها .

 هذا الكتاب بعنوان The Catcher in the Rye قد يحمل نقداً قاسياً لكل العادات و التقاليد والمفاهيم العقائدية والنظريات السياسية التي ابتلي البشر بها منذ بدء الخليقة ، تاريخ مليء بالصراعات والحروب والقتل و الدمار المستمر الى يومنا هذا ، هذا الكتاب كان ولايزال بمثابة ثورة على كل ما هو موجود ورفض للأمر الواقع وان كان لا يقدم حلولاً . طبع مرات عدة في سنته الأولى وأصبح لاحقاً من الكتب المفضلة يباع منه بين 200-300 ألف نسخة سنوياً حتى اليوم و يدرس في بعض المدارس الأمريكية.

هذا الكتاب ساهم في نشر ثقافة التمرد في أمريكا وخارجها . ففي أمريكا مثلاً كان ملهماً للحركة المناهضة لحرب فيتنام التي كلفت أمريكا حوالي (50) ألف قتيل بخلاف الجرحى والمعاقين والعائلات التي تضررت أو عجز معيلها عن العمل ، هذا بخلاف بلايين الدولارات التي صرفت على الأسلحة وصيانتها وإعاشتهم المقاتلين وتأهيلهم للقتل .. إلخ ز لماذا يتحمل الشعب الأمريكي كل هذه التضحيات في دولة صغيرة لم يسمعوا بها تَبْعُد عنهم آلاف الأميال.

هؤلاء الشباب أجبروا الحكومة الأمريكية على الانسحاب من فيتنام إثر حركات الاحتجاج الشبابية الواسعة ضد هذه الحرب لكن بعد أن دفع شعب فيتنام ثمناً غالياً بسببها . أما في فرنسا فقد ثار الشباب الجامعي على النظام بسبب سوء التعليم والرعاية الصحية ، وشهدت باريس والمدن الفرنسية الأخرى مجابهات شرسة بين الشباب و أجهزة الأمن ، إلا أن النتيجة في النهاية كانت لصالح فرنسا ، فالرعاية الصحية اليوم في فرنسا هي الأفضل في أوروبا وكذلك التعليم.

كذلك كان الحال في بريطانيا حيث ثورة الشباب في مواجهة تركيبة المجتمع الجامدة والتي بموجبها تم احتكار السلطة الحقيقية بين العائلة المالكة والارستقراطية والكنيسة والجيش وذلك وفقاً لإفادة و شهادة
Antony Sampson في كتابه الشهير Anatomy of Britain

حيث اطلق على هذه الحركة اسم Hippies واشتهروا ببوهيميتهم وبقذارة ملابسهم ومشيتهم حفاة و وإهمال شعرهم ، وهو أمر انعكس على الأغاني آنذاك كفرقة البيتلز ومسرحياتهم كمسرحيه (Hair) وغيرها

هذه الثورة تبنتها فيما بعد فئات عدة مهمشة كالمرأة والكتاب والشعراء والصحافيين و الفنانين و أصبحت الأميرة "ديانا" ملهمة لهم وذلك من خلا تقربها وعلاقتها بالشباب بالإضافة الى أعمالها الخيرية التطوعية ، و استغل "توني بلير" هذه الموجة ليوسع من قاعدة النساء والشباب في حزبه ومعاركه الانتخابية ، وسماها أميرة الشباب وأصبح المميزون من هؤلاء في الفنون والرياضة وغيرها يحصلون على الألقاب التي كانت الملكة تقتصرها على النخبة ويُدْعَون لحضور المناسبات الرسمية ، وكم كان ذلك واضحاً في القداس على وفاة ديانا فقد اكتظت بهم الكنيسة والأرض المحيطة بها، وأجبرت الصحف البريطانية الملكة على تنكيس العلم على قصرها بعد أن كانت قد امتنعت عن ذلك.

No comments: